فصل: السنة الثانية من سلطنة الناصر الثالثة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثانية من سلطنة الناصر الثالثة

وهي سنة إحد عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها توفي الأمير بكتوت الخازندار ثم أمير شكار ثم نائب السلطنة بثغر الإسكندية ومات بعد عزله عنها في ثامن شهر رجب‏.‏

وأصله من مماليك بيليك الخازندار نائب السلطنة بمصر في الدولة الظاهرية بيبرس‏.‏

ثم صار أمير شكار في أيام كتبغا ثم ولي الإسكندرية وكثر ماله واختض عند بيبرس الجاشنكير وسلار‏.‏

فلما عاد الملك الناصر إلى ملكه حسن له بكتوت هذا حفر خليج الإسكندرية ليستمر الماء فيها صيفًا وشتاء فندب السلطان معه محمد بن كندغدي المعروف بابن الوزيري وفرض العمل على سائر الأمراء فأخرج كل منهم أستاداره ورجاله وركب ولاة الأقاليم ووقع العمل فيه من شهر رجب سنة عشر وسبعمائة وكان فيه نحو الأربعين ألف رجل تعمل‏.‏

وكان قياس العمل من فم البحر إلى شنبار ثمانية آلاف قصبة ومثلها إلى الإسكندرية‏.‏

وكان الخليج الأصلي من حد شنبار يدخل الماء إليه فجعل فم هذا البحر يرمي إليه وعمل عمقه ست قصبات في عرض ثماني قصبات‏.‏

فلما وصل الحفر إلى حد الخليج الأول حفر بمقدار الخليج المستجد وجعلا بحرًا واحدًا وركب عليه القناطر‏.‏

ووجد في الخليج من الرصاص المبني تحت الصهاريج شيء كثير فأنعم به على الأمير بكتوت‏.‏

فلما فرغ ابتنى الناس عليه سواقي واستجدت عليه قرية عرفت بالناصرية فبلغ ما أنشىء عليه زيادة على مائة ألف فدان ونحو ستمائة ساقية وأربعين قرية وسارت فيه المراكب الكبار واستغنى أهل الثغر عن جري الماء في الصهاريج‏.‏

وعمر عليه نحو الألف غيط وعمرت به عدة بلاد وتحولت الناس إلى الأراضي التي عمرت وسكنوها بعدما كانت سباخًا‏.‏

فلما فرغ ذلك ابتنى بكتوت هذا من ماله جسرًا أقام فيه ثلاثة أشهر حتى بناه رصيفًا وأحدث عليه نحو ثلاثين قنطرة بناها بالحجارة والكلس وعمل أساسه رصاصًا وأنشأ بجانبه خانًا وحانوتًا وعمل فيه خفرًا وأجرى لهم الماء فبلغت النفقة على هذا الجسر ستين ألف دينار‏.‏

وأعانه على ذلك أنه هدم قصرًا قديمًا خارج الإسكندرية وأخذ حجره ووجد في أساسه سربًا من رصاص مشوا فيه إلى قرب البحر المالح فحصل منه جملة عظيمة من الرصاص‏.‏

ثم إنه شجر مابينه وبين صهره فسعى به إلى السلطان وأغراه بأمواله وكتب مستوفي الدولة أمين الملك عبد الله بن الغنام عليه أوراقًا بمبلغ أربعمائة ألف دينار فعزل وطلب إلى القاهرة‏.‏

فلما قرئت عليه الأوراق قال‏:‏ قبلوا الأرض بين يدي مولانا السلطان وعرفوه عن مملوكه أنه إن كان راضيًا عنه فكل ماكتب كذب وإن كان غير راض فكل ماكتب صحيح‏.‏

وكان قد وعك في سفره من الإسكندرية فمات بعد ليال في ثاني عشر شهر رجب فأخذ له مال عظيم جدًا وكان من أعيان الأمراء وأجلهم وكرمائهم وشجعانهم مع الذكاء والعقل والمروءة وله مسجد خارج باب زويلة وله أيضًا عدة أوقاف على جهات البر‏.‏

وتوفي الشيخ المجود المنشىء الفاضل شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف الزرعي المعروف بابن الوحيد‏.‏

كان حسن الخط فاضلًا مقدامًا شجاعًا يعرف عدة علوم وألسن وخدم عند جماعة من أعيان الأمراء وكتب في الإنشاء بالقاهرة ثم تعطل بعد ذلك ونزل صوفيًا بخانقاه سعيد السعداء‏.‏

فلما كانت سنة إحدى وسبعمائة قدم رسل التتار إلى مصر ومعهم كتاب غازان فلم يكن في الموقعين من يحله فطلب فحله فرتبه السلطان في ديوان الإنشاء إلى أن مات بالبيمارستان المنصوري يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان وله ثلاث وستون سنة‏.‏

ومن شعره في تفضيل الحشيش على الخمر‏:‏ الطويل وخضراء لا الحمراء تفعل فعلها لها وثبات في الحشى وثبات تأجج نارًا في الحشى وهي جنة وتبل مرير الطعم وهي نبات وتوفي الصاحب الوزير فخر الدين عمر بن الشيخ مجد الدين عبد العزيز بن الحسن بن الحسين الخليلي التميمي الداري بالقاهرة في يوم عيد الفطر ودفن بالقرافة الصغرى‏.‏

وكان مولده سنة أربعين وستمائة‏.‏

وتولى الوزارة في دولة الملك السعيد بن الظاهر بيبرس ثم بعدها غير مرة إلى أن عزله الملك الناصر ومات معزولًا‏.‏

وكان فاضلًا خيرًا دينًا كثير الصدقات عفيفًا عن أموال الرعية‏.‏

رحمه الله‏.‏

وتوفي القاضي العلامة الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي الحنبلي‏.‏

مات بالمدرسة الصالحية بالقاهرة ودفن بالقرافة‏.‏

وكان من أعيان العلماء المحدثين‏.‏

رحمه الله‏.‏

وتوفي الشيخ فخر الدين إسماعيل بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي‏.‏

مات بدمشق ودفن بالباب الصغير‏.‏

روى عن جماعة من المشايخ وكانت نفسه قوية‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم الخطيب بجامع أحمد بن طولون شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله بن الجزري الشافعي‏.‏

مات بالمدرسة المعزية بمصر في أوائل ذي الحجة ودفن بالقرافة‏.‏

ومولده سنة سبع وثلاثين وستمائة بالجزيرة وقدم دمشق وبرع في عدة علوم وعرض عليه قضاء دمشق فامتنع‏.‏

وتوفي الشيخ الأديب سراج الدين عمر بن مسعود الحلبي المعروف بالمحار‏.‏

وكان أولًا صانعًا يمحر الكتان ثم اشتغل بالأدب ومهر فيه واتصل بخدمة الملك المنصور صاحب حماة إلى أن مات بدمشق في هذه السنة‏.‏

وهو صاحب الموشحات المشهورة‏.‏

ومن شعره‏:‏ الكامل لما تألق بارق من ثغره جادت جفويي بالسحاب الممطر فكأن عقد الدمع حل قلائد ال - - عقيان منه على صحاح الجوهري وله في مليح نجار‏:‏ الكامل وجبت زيارتها علينا عندم شغف القلوب بحبها النجار ومن موشحاته‏:‏ ما ناحت الورق في الغصون إلا هاجت على تغريدها لوعة الحزين هل ما مضى لي مع الحبايب آيب بعد الصدود أو هل لأيامنا الذواهب واهب بأن تعود بكل مصقولة الترائب كاعب هيفاء رود تفتر عن جوهر ثمين جلا أن يجتلى يحمى بقضب من الجفون أحببته ناعم الشمائل مائل في برده في أنفس العاشقين عامل عامل من قده يرنو بطرف إلى المقاتل قاتل في غمده أسطى من الأسد في العرين فعلا وأقتلا لعاشقيه من المنون علقته كامل المعاني عاني قلبي به قاسوه بالبدر وهو أحلى شكلا من القمر وراش هدب الجفون نبلا أبلى بها البشر وقال لي وقد تجلى جلا بارىء الصور ينتصف البدر من جبيني أصلا ففلت لا قال ولا السحر من عيوني أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وثلاث أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

والله أعلم‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الناصر محمد الثالثة على مصر وهي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها توفي قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الأذرعي الحنفي بالقاهرة في شهر رجب ومولده بأذرعات في سنة أربعين وستمائة‏.‏

وكان إمامًا بارعًا مفتنًا عارفًا بالفقه واللغة والعربية والأصول وأفتى ودرس بالشبلية التي على وتوفي الشيخ شرف الدين محمد بن موسى بن محمد بن خليل المقدسي الكاتب المنشىء في خامس عشر شعبان بالقاهرة‏.‏

وكان فاضلًا أديبًا شاعرًا إلا أنه كان كثير الهجاء‏.‏

وكان يعرف بكاتب أمير سلاح‏.‏

ومن شعره‏:‏ البسيط اليوم يوم سرور لا شرور به فزوج ابن سحاب بابنة العنب ما أنصف الكأس من أبدى القطوب لها وثغرها باسم عن لؤلؤ الحبب وتوفي الشيخ مجد الدين أحمد بن ديلم بن محمد الشيبي المكيئ شيخ الحجبة وفاتح الكعبة بمكة ودفن بالمعلاة‏.‏

وروى عن ابن مسدي والمرسي وغيرهما‏.‏

وتوفي الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين داود ابن الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب‏.‏

مات بالقاهرة في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب‏.‏

ومولده بالكرك في سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏

وتوفي الملك المنصور نجم الدين أبو الفتح غازي بن الملك المظفر فخر الدين قرا أرسلان ابن الملك السعيد نجم الدين غازي الأرتقي صاحب ماردين وابن صاحبها وبها كانت وفاته في تاسع شهر ربيع الآخر ودفن بمدرسته تحت قلعة ماردين وعمره فوق السبعين‏.‏

وكانت مدته على ماردين نحو العشرين سنة‏.‏

وكان ملكًا مهيبًا كامل الخلقة سمينًا بدينًا عارفًا مدبرًا‏.‏

وتولى وتوفي الأمير سيف الدين قطلوبك الشيخي كان من أعيان أمراء دمشق وبها كانت وفاته‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين مغلطاي البهائي بطرابلس‏.‏

كان قد رسم السلطان بالقبض عليه فوصل البريدي بذلك بعد موته بيوم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتان وعشرون إصبعًا‏.‏

وكان الوفاء ثالث أيام النسيء‏.‏

السنة الرابعة من سلطنة الناصر محمد الثالثة وهي سنة ثلاث عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها توفي القاضي عماد الدين أبو الحسن علي بن القاضي فخر الدين عبد العزيز ابن القاضي عماد الدين عبد الرحمن بن السكري في يوم الجمعة السادس والعشرين من صفر‏.‏

وكان فاضلًا فقيهًا‏.‏

توجه رسولًا من قبل الملك الناصر إلى غازان وولي تدريس مشهد الحسين بالقاهرة وعدة وظائف دينية وولي خطابة جامع الحاكم‏.‏

وتوفي الأمير المسند علاء الدين أبو سعيد بيبرس التركي العديمي الحنفي بحلب ودفن بتربة ابن العديم وقد قارب التسعين سنة‏.‏

وانفرد بالرواية قبل موته وقصد من الأقطار ورحل إليه من حدث بالكثير‏.‏

وتوفي صاحب مراكش من بلاد الغرب الأمير سليمان بن عبد الله بن يوسف بن يعقوب المريني وولي بعده عمه أبو سعيد عثمان بن يعقوب واستوسق أمره‏.‏

وتوفي الخان طقطاي بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن جوجي بن جنكزخان ملك التتار بالبلاد الشمالية بمكان يسمى كرنا على مسافة من مدينة صراي عشرة أيام‏.‏

وذكره بن كثير في السنة الخالية والصحيح ما قلناه‏.‏

وكانت مملكته ثلاثًا وعشرين سنة ومات وله ثلاثون سنة‏.‏

وكان شهمًا شجاعًا مقدامًا وكان على دين التتار في عبادة الأصنام والكواكب يعظم الحكماء والأطباء والفلاسفة ويعظم المسلمين أكثر من الجميع غير أنه لم يسلم وكانت عساكره كثيرة جدًا يقال إنه جرد مرة من كل عشرة واحدًا فبلغت التجريدة مائة ألف وخمسين ألفًا‏.‏

وكانت وفاته في شهر رمضان ومات ولم يخلف ولدًا فجلس على تخت الملك من بعده أزبك خان بن طغرل بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن جنكزخان‏.‏

وكان الذي أعان أزبك خان على السلطنة شخص من أمرائهم من المسلمين يقال له قطلقتمر كان على تدبير ممالكهم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

وكان الوفاء قبل النوروز بيوم واحد‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الناصر محمد الثالثة وهي سنة أربع عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها توفي الشيخ المعمر بقية السلف محمد بن محمود بن الحسين بن الحسن الموصلي المعروف بحياك الله‏.‏

مات بزاويته بسويقة الريش خارج القاهرة في يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأول ودفن بالقرافة‏.‏

وكان شيخًا صالحًا بلغ عمره نحوًا من مائة سنة وستين سنة وكان حاضر الحس جيد القوة وكان يقصد للزيارة للتبرك به وكان كثير الذكر والعبادة وله محاضرة حسنة وشعر‏.‏

ومن شعره من أول قصيدة‏:‏ الطويل إذا الحب لم يشغلك عن كل شاغل فما ظفرت كفاك منه بطائل وتوفي القاضي شرف الدين يعقوب بن مجد الدين مظفر بن شرف الدين أحمد بن مزهر بحلب وهو ناظرها‏.‏

كان يخدم عند الأكابر وتنقل في خدم كثيرة حتى إنه لم تبق مملكة بالشام إلا باشرها‏.‏

وتوفي القاضي بهاء الدين علي بن أبي سوادة الحلبي صاحب ديوان الإنشاء بحلب وبها كانت وفاته في نصف شهر رجب‏.‏

وكان من الصدور الأماثل وعنده فضيلة‏.‏

وله نظم ونثر‏.‏

ومن شعره‏:‏ البسيط جد لي بأيسر وصل منك يا أملي فالصبر قد عاد عنكم غير محتمل ما لي رميت بأمر لا أطيق له حملًا وبدلت بعد الأمن بالوجل وتوفي القاضي فخر الدين سليمان بن عثمان بن الشيخ الإمام صفي الدين أبي القاسم محمد بن عثمان البصروي الحنفي محتسب دمشق بها في ذي القعدة‏.‏

وكان فاضلًا طيب العشرة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين ملكتمر الناصري المعروف بالدم الأسود‏.‏

كان أمير ستين فارسًا بدمشق‏.‏

وكان من الظلمة المسرفين على أنفسهم‏.‏

قلت‏:‏ ولا بأس بهذا اللقب الذي لقب به على هذه الصفات التي هي غير محمودة‏.‏

وتوفي الأمير فخر الدين آقجبا الظاهري أحد أمراء دمشق وبها كانت وفاته‏.‏

وكان خيرًا دينًا‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كهرداش بن عبد الله الزراق مات أيضًا بدمشق‏.‏

وكان بها أمير خمسين فارسًا‏.‏

وكان سافر مع السلطان إلى الحجاز فلما زار النبي صلى الله عليه وسلم تاب عن شرب الخمر فلما عاد إلى دمشق شربه فضربه الفالج لوقته وبطل نصفه وتعطل إلى أن مات‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين سودي بن عبد الله الناصري نائب حلب‏.‏

وبها كانت وفاته في نصف شهر رجب‏.‏

وكان مشكور السيرة في ولايته محمود الطريقة‏.‏

وهو ممن أنشأه الملك الناصر محمد من مماليكه وتولى حلب بعده الأمير علاء الدين ألطنبغا الحاجب‏.‏

وتوفي التاجر عز الدين عبد العزيز بن منصور الكولمي أحد تجار الإسكندرية في شهر رمضان‏.‏

وكان أبوه يهوديًا من أهل حلب يعرف بالحموي فأسلم وتعلق ابنه هذا على المتجر وفتح الله عليه إلى أن قدم إلى مصر ومعه بضاعة بأربعمائة ألف دينار‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

وكان الوفاء قبل النوروز بأربعة أيام‏.‏

والله أعلم‏.‏

السنة السادسة من سلطنة الناصر محمد الثالثة وهي سنة خمس عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها توفي الشيخ الامام شهاب الدين أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الأرمنتي المعروف بابن الأسعد في يوم الجمعة رابع عشرين شهر رمضان‏.‏

وكان فقيهًا شافعيًا وتولى القضاء وحسنت سيرته وتوفي الشيخ الإمام العلامة جلال الدين إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل ابن برتق بن برغش بن هارون أبو طاهر القوصي الفقيه الحنفي‏.‏

كان فقيهًا إمامًا بارعًا تصدر بجامع أحمد بن طولون وأقرأ الفقه والقراءات والعربية سنين وانتفع به الناس وصنف وحدث ونظم ونثر‏.‏

ومن شعره وهو في غاية الحسن‏:‏ الوافر أقول له ودمعي ليس يرقا ولي من عبرتي إحدى الوسائل حرمت الطيف منك بفيض دمعي فطرفي فيك محروم وسائل وله أيضًا‏:‏ الوافر أقول ومدمعي قد حال بيني وبين أحبتي يوم العتاب رددتم سائل الأجفان نهرًا تعثر وهو يجري في الثياب وتوفي قاضي القضاة تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن قدامة المقدسي الحنبلي بقاسيون في عشر ذي القعدة ودفن بتربة جده شيخ الإسلام أبي عمر‏.‏

وكان إمامًا عالمًا جمع بين العلم والعبادة وسمع لحديث بنفسه وحدث بمسموعاته‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العلامة السيد ركن الدين حسن بن محمد بن شرف الدين شاه الحسيني لإسترابادي‏.‏

كان إمامًا مصنفًا عالمًا بالمعقول اشتغل على النصير الطوسي وحصل منه علومًا كثيرة وصار معيدًا في درس أصحابه وقدم الموصل وولي تدريس المدرسة النورية وبها صنف غالب مصنفاته مثل‏:‏ شرح مختصر بن الحاجب وشرح مقدمة بن الحاجب في النحو وهي التي تسمى بالكافية وعمل عليها ثلاثة شروح‏:‏ كبير ومتوسط وصغير وشرح الحاوي في الفقه وشرح التصريف لابن الحاجب أيضًا وهو الذي يسمى بالشافية وشرح المطالع في المنطق وشرح كتاب قواعد العقائد وعدة تصانيف أخر ذكرناها في غير هذا الكتاب‏.‏

وكانت وفاته بالموصل في صفر‏.‏

وتوفي الشيخ أصيل الدين الحسن بن الإمام العلامة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي البغدادي‏.‏

كان عالي الهمة كبير القدر في دولة قازان وقدم إلى الشام ورجع معه إلى بلاده‏.‏

ولما تولى خربندا الملك ووزر تاج الدين علي شاه قرب أصيل الدين هذا إلى خربندا حتى ولاه نيابة السلطنة ببغداد‏.‏

ثم عزل وصودر‏.‏

وكان كريمًا رئيسًا عارفًا بعلم النجوم لكنه لم يبلغ فيه رتبة أبيه نصير الدين الطوسي على أنه كان له نظر في الأدبيات والأشعار وصنف كتبًا كثيرة‏.‏

وكان فيه خير وشر وعدل وجور‏.‏

ومات ببغداد‏.‏

وتوفي الشيخ الصالح القدوة أبو الحسن علي بن الشيخ الكبير علي الحريري شيخ الفقراء الحريرية‏.‏

كان للناس فيه اعتقاد وله حرمة عند أرباب الدولة وكان فيه تواضع وكرم وكانت وفاته ببصرى من عمل دمشق في السابع والعشرين من جمادى الأولى وله اثنتان وسبعون سنة‏.‏

وتوفي الأمير بدر الدين موسى بن الأمير سيف الدين أبي بكر محمد الأزكشي كان من أكابر الأمراء وشجعانهم‏.‏

مات بدمشق في ثامن شعبان ودفن عند القبيبات وكان شهمًا شجاعًا‏.‏

ظهر في نوبة غزو مرج الصفر مع التتار عن شجاعة عظيمة‏.‏

وتوفي الأمير حسام الدين قرا لاجين بن عبد الله المنصوري الأستادار في الثامن والعشرين من شعبان وأنعم الملك الناصر بإقطاعه على الأمير آقوش الأشرفي نائب الكرك لما أفرج عنه والإقطاع إمرة مائة وعشرين فارسًا‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

والوفاء تاسع عشرين مسرى‏.‏

والله أعلم‏.‏

السنة السابعة من سلطنة الناصر الثالثة وهي سنة ست عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها حج بالناس من مصر الأمير بهادر الإبراهيمي وأمير الركب الشامي أرغون السلاح دار‏.‏

وحج في هذه السنة من أعيان أمراء مصر الأمير أرغون الناصري نائب السلطنة بديار مصر وعز الدين أيدمر الخطيري وعز الدين أيدمر أمير جاندار وسيف الدين أركتمر السلاح دار وناصر الدين محمد بن طرنطاي‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكاتب المجود نجم الدين موسى بن علي بن محمد الحلبي ثم الدمشقي المعروف بابن بصيص بضم الباء ثانية الحروف شيخ الكتاب بدمشق في زمانه وابتدع صنائع بديعة وكتب في آخر عمره ختمة بالذهب عوضًا عن الحبر‏.‏

وكان مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة ومات ليلة الثلاثاء عاشر ذي القعدة‏.‏

وله شعر على طريق الصوفية من ذلك‏:‏ الطويل وحقك لو خيرت فيما أريده من الخير في الدنيا أو الحظ في الأخرى لما اخترت إلا حسن نظم يروقني معانيه أبدي فيه أوصافك الكبرى وتوفي الشيخ الإمام العلامة صدر الدين أبو عبد الله محمد بن زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد العثماني الشهير بابن المرحل وبابن الوكيل المصري الأصل الشافعي الفقيه الأديب‏.‏

كان فريد عصره ووحيد دهره كان أعجوبة في الذكاء والحفظ‏.‏

ومولده في شوال سنة خمس وستين وستمائة بدمياط وكان بارعًا مدرسًا مفتنًا‏.‏

درس بدمشق والقاهرة وأفتى وعمره اثنتان وعشرون سنة وكان يشتغل في الفقه والتفسير والأصلين والنحو واشتغل في آخر عمره في الطب وسمع الحديث الكتب الستة ومسند الإمام أحمد وصنف الأشباه والنظائر قبل أن يسبقه إليها أحد وكان حسن الشكل حلو المجالسة وعنده كرم ففرط وله الشعر الرائق الفائق في كل فن من ضروب الشعر‏.‏

وكانت وفاته في رابع عشرين ذي الحجة ودفن بالقرافة في تربة الفخر ناظر الجيش‏.‏

وهو أحد من قام على الملك الناصر وانضم على المظفر بيبرس الجاشنكير‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك كله في أوائل ترجمة الملك الناصر‏.‏

ومن شعره‏:‏ الكامل أقصى مناي أن أمر على الحمى ويلوح نور رياضه فيفوح حتى أري سحب الحمى كيف البكا وأعلم الورقاء كيف تنوح وله دوبيت‏:‏ كم قال‏:‏ معاطفي حكتها الأسل والبيض سرقن ما حوته المقل الآن أوامري عليهم حكمت البيض تحد والقنا تعتقل وله‏:‏ الكامل عيرتني بالسقم طرفك مشبهي وكذاك خصرك مثل جسمي ناحلا وأراك تشمت إذ أتيتك سائلًا لا بد أن يأتي عذارك سائلا ما أخجل قده غصون البان بين الورق إلا سلب المها مع الغزلان سود الحدق وقد ذكرناها بتمامها في تاريخنا المنهل الصافي وقطعة جيدة من شعره‏.‏

وتوفي الشيخ الأديب البارع المفتن أعجوبة زمانه علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر الكندي الوداعي المعروف بكاتب ابن وداعة الشاعر المشهور أحد من اقتدى به الشيخ جمال الدين بن نباتة في ملح أشعاره‏.‏

مولده سنة أربعين وستمائة ومات ببستانه في سابع شهر رجب بدمشق ودفن بالمزة‏.‏

وكان فاضلًا أديبًا شاعرًا عالي الهمة في تحصيل العلوم‏.‏

سمع الحديث وكتب الخط المنسوب ونظم ونثر وتولى عدة ولايات وكتب بديوان الإنشاء بدمشق وتولى مشيخة دار الحديث النفيسية وجمع التذكرة الكندية تزيد على خمسين مجلدًا‏.‏

وله ديوان شعر في ثلاثة مجلدات‏.‏

ومن شعره‏:‏ الخفيف قال لي العاذل المفند فيها يوم زارت فسلمت مختاله قم بنا ندع النبوة في العش - - ق فقد سلمت علينا الغزاله وله أيضًا‏:‏ الخفيف أثخنت عينها الجراح ولا إث - - م عليها لأنها نعساء زاد في عشقها جنوني فقالوا ما بهذا فقلت بي سوداء من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن وله أيضًا‏:‏ الخفيف قيل إن شئت أن تكون غنيًا فتزوج وكن من المحصنينا قلت ما يقطع الإله بحر لم يضع بين أظهر المسلمينا وقد ذكرنا من مقطعاتة عدة كثيرة في المنهل الصافي ولولا خشية الملل لذكرناها هنا‏.‏

وتوفي الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله المنصوري المعروف بالأفرم الصغير نائب الشام ببلاد مراغة عند ملك التتار‏.‏

وقد تقدم خروجه مع الأمير قراسنقر المنصوري من البلاد الشامية إلى غازان ملك التتار في أوائل دولة الملك الناصر الثالثة فلا حاجة في ذكرها هنا ثانيًا‏.‏

وكان ملك التتار أقطعه مراغة وقيل همذان فأقام بها سنتين ومات بالفالج في ثالث عشر المحرم‏.‏

وكان أميرًا جليلًا عارفًا مدبرًا عالي الهمة شجاعًا مقدامًا‏.‏

تقدم من ذكره نبذة كبيرة في ترجمة المظفر بيبرس الجاشنكير‏.‏

وكانت ولايته على دمشق إحدى عشرة سنة متوالية إلى أن عزله الملك الناصر لما خرج من الكرك‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كستاي بن عبد الله نائب طرابلس بها‏.‏

وتولى نيابة طرابلس من بعده وتوفي الأمير سيف الدين طقتمر الدمشقي بالقاهرة بمرض السل‏.‏

وكان من خواص الملك الناصر وأحد من أنشأه من مماليكه‏.‏

وتوفي الطواشي ظهير الدين مختار المنصوري المعروف بالبلبيسي الخازندار في عاشر شعبان بدمشق‏.‏

وكان شهمًا شجاعًا دينًا‏.‏

فرق جميع أمواله قبل موته على عتقائه ووقف أملاكه على تربته‏.‏

وتوفيت السيدة المعمرة أم محمد ست الوزراء المعروفة بالوزيرة ابنة الشيخ عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية في ثامن عشر شعبان بدمشق ومولدها سنة أربع وعشرين وستمائة‏.‏

روت صحيح البخاري عن أبي عبد الله الزبيدي وصارت رحلة زمانها ورحل إليها من الأقطار‏.‏

وتوفي ملك التتار خربندا بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وسكون النون بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولو بن جنكزخان السلطان غياث الدين ومن الناس من يسميه خدابندا بضم الخاء المعجمة والدال المهملة والأصح ما قلناه‏.‏

وخدابندا‏:‏ معناه عبد الله بالفارسي غير أن أباه لم يسمه إلا خربندا وهو اسم مهمل معناه‏:‏ عبد الحمار‏.‏

وسبب تسميته بذلك أن أباه كان مهمًا ولد له ولد يموت صغيرًا فقال له بعض الأتراك‏:‏ إذا جاءك ولد سمه اسما قبيحًا يعش فلما ولد له هذا سماه خربندا في الظاهر واسمه الأصلي أبحيتو فلما كبر خربندا وملك البلاد كره هذا الاسم واستقبحه فجعله خدابندا ومشى ذلك بمماليكه وهدد من قال غيره ولم يفده ذلك إلا من حواشيه خاصة‏.‏

ولما ملك خربندا أسلم وتسمى بمحمد واقتدى بالكتاب والسنة وصار يحب أهل الدين والصلاح‏.‏

وضرب على الدرهم والدينار اسم الصحابة الأربعة الخلفاء حتى اجتمع بالسيد تاج الدين الآوي الرافضي وكان خبيث المذهب فما زال بخربندا حتى جعله رافضيًا وكتب إلى سائر مماليكه يأمرهم بالسب والرفض ووقع له بسبب ذلك أمور‏.‏

قال النويري‏:‏ كان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء ألا يذكر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعزم على تجريد ثلاثة آلاف فارس إلى المدينة النبوية لينقل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من مدفنهما فعجل الله بهلاكه إلى جهنم وبئس المصير هو ومن يعتقد معتقده كائنًا من كان‏.‏

وكان موته في السابع والعشرين من شهر رمضان بمدينته التي أنشأها وسماها السلطانية في أرض قنغرلان بالقرب من قزوين‏.‏

وتسلطن بعده ولده بوسعيد في الثالث عشر من شهر ربيع الأول من سنة سبع عشرة وسبعمائة لأنه كان في مدينة أخرى وأحضر منها وتسلطن‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتان وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة من سلطنة النار محمد الثالثة وهي سنة سبع عشرة وسبعمائة‏.‏

فيها توفي قاضي القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي الربيع سليمان بن سويد الزواوي المالكي قاضي دمشق بها في التاسع من جمادى الأولى‏.‏

وكان فقيهًا عالمًا عالي الهمة محدثًا بارعًا مشكور السيرة في أحكامه‏.‏

وتوفي القاضي الرئيس شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب بن جمال الدين فضل الله بن المجلي القرشي العدوي العمري كاتب السر الشريف بدمشق في ثالث رمضان ودفن بسفح قاسيون‏.‏

ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة‏.‏

وكان إمامًا في كتابة الإنشاء عارفًا بتدبير الممالك مليح الخط غزير العقل وخدم عدة سلاطين وكان كاملًا في فنه لم يكن في عصره من يدانيه ولا يقاربه‏.‏

ومن شعره ماكتبه للشهاب محمود في صدر كتاب‏:‏ البسيط كتبت والقلب يدنيني إلى أمل من اللقاء ويقصييني عن الدار والوجد يضرم فيما بين ذاك وذا من الجوانح أجزاء من النار وتوفي الأديب الفاضل شمس الدين أبو العباس أحمد بن أبي المحاسن يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر الطيبي الأسدي بطرابلس في سادس رمضان‏.‏

ومولده في سنة تسع وأربعين وستمائة‏.‏

وكان كاتب الدرج بطرابلس وكان فاضلًا ناظمًا ناثرًا‏.‏

ومن شعره‏:‏ البسيط ما مسني الضيم إلا من أحبائي فليتني كنت قد صاحبت أعدائي ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا داء يزيد بهم همي وأدوائي من كان يشكو من الأعداء جفوتهم فإنني أنا شاك من أودائي وتوفي الأمير أرسلان الناصري الدوادار في الثالث والعشرين من شهر رمضان وكان هو وعلاء الدين بن عبد الظاهر صديقين فمرضا في وقت واحد بعلة واحدة وماتا في شهر واحد‏.‏

وخلف أرسلان جملة كثيرة من المال استكثرها الملك الناصر على مثله‏.‏

وكان من جملة أمراء الطبلخاناه واستقر عوضه دوادارًا الأمير ألجاي الدوادار الناصري‏.‏

وفي أرسلان هذا عمل علاء الدين ابن عبد الظاهر كتابه المسمى بمراتع الغزلان‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قلي السلاح دار بالقاهرة‏.‏

وكان من أعيان أمراء الديار المصرية وأنعم السلطان بإقطاعه ومنزلته على الأمير جنكلي بن البابا‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين ألدكز بن عبد الله السلاح دار صهر الأمير علم الدين سنجر الشجاعي ومات في الحبس‏.‏

وئوفي الأمير سيف الدين ألكتمر بن عبد الله صهر الأمير بكتمر الجوكندار أيضًا في الحبس أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا سواء‏.‏

وكان نبيلًا عظيمًا غرقت منه عدة أماكن‏.‏

والله أعلم‏.‏